الكاتب: عمر نفيسي
قراءة في قصيدة -شوك المعنى- للشاعر ادريس بلعطار
(من مسودة كتاب - مفتاح السؤال -. مقاربات نقدية في طور الطباعة)
شوك المعنى
********
مابيدي انا
مابيدك انت
ما بيد الغير
شوك المعنى
ماشي من والى
يغزلو حرير
اكتب
ملي الليف
يولي سيف
يخلي الكبضةg
ويروم أصباعك
من جهة لمضى
يسيح مدادها
وطعناتو في القلب
يداويها سنتير
اكتب/اجدب
ملي البا
تعود وبا
ويدييييييع
في الذات جربة
وبصمغ الروح
داويها جروح
وبالصدق في التعبير
اكتب /اجدب
ملي التا
تعود أنثى
مربوطةفيك انت
وانت حتى انت
كون زطاط
وعلى حروفك تغير
ادريس بلعطار
كعادة نصوص بلعطار التي تدغدغني عند أول قراءة وتحاصر جوارح التلقي لدي ... فتسقطني طريح الإحساس بالإشتهاء العذب لسبر أغوارها .
ولأن النص الذي بين أيدينا والذي وسمه الشاعر الزجال ب " شوك المعنى " ومن خلال هذا العنوان سنسعى لاستنطاق النص بحيث أن تأويله شكلا يحضى بأهمية قصوى للوصول إلى عمق التعبير الشعري... هذا العنوان يتكون من لفظتين "شوك / المعنى " والشوك هو نبات تنبت فيه أعواد رقيقة حادة الرؤوس تدمي من يلمسها أي أن جيرتها تحدث ألماََ نهايته خروج دم . ولفظة المعنى لها دلالة سيميولوجية علامتها الشريان النابض للغة أي أن بدون معنى لا قيمة لأي لغة أوكلام أو تواصل كيفما كان نوعه .
ومقصدية هذا العنوان تتجلى في أن هذا الشيء الضروري في اللغة الذي هو المعنى ملمسه شائك ولا يتلمسه إلى المغامرون الذين لهم القدرة على تحمل لسعاته الدامية ... وكأن بلعطار يحدرنا من خوض غمار كل شيء له علاقة بالمعنى إذا لم تحسن استخدام آلياته ... اشتغالات اللغة/ والكتابة عموما ... فبعد الإقتراح الغير مباشر للشاعر الزجال على التحلي بالمغامرة فهل سيتمظر هذا الإقتراح على جسد النص ..؟
مابيدي انا
مابيدك انت
ما بيد الغير
مقطع يتكون من ثلاثة أسطر يتكلم على شئ ما ، هو غالي وسامق ولا تصل إليه يد كائن حيث سنعرف من هو هذا الكائن لا حقا .
شوك المعنى
ماشي من والى
يغزلو حرير
نعم ف الشيء الذي أشار إليه الإستقراء على أنه شئ بعيد المنال وذكره لنا الشاعر أنه ما بيد أي كان هو فعل الغزل وإلى أي حد يمكن لمن له علاقة بالمعنى أن يغزل شوكه فيستخرج منها خيوط الحرير... وهذا يعتبر قمة الخلق فعندما يخلق المبدع شىء وظيفة مواده متناقضة فذلك غير طبيعي ...على اعتبار أن الشوك عديم الليونة والحرير عديم الخشونة وكلتا المادتين متناقضتين ومتضادتين . فالتكوين منهما و بينهما شئ لا قدرة لأي كان عليه كما جاء في التعبير الشعري لدى الذات الشاعرة .../شوك المعنى/ماشي من والى/يغزلو حرير...
وسنقف هنيهة حيال المعجم لنتأكد من أن الإطلاع على كل معاجم اللغة المحكية هو شيء ضروري في حالة ما إذا أراد القارئ المثالي الذي يشارك الشاعر ما بذهنه ويفهم كل ما يكتبه متابعة الإنتاجات الشعرية الزجلية فنجد في هذا المقطع السطر التالي .../ماشي من والى/...فإذا أحلناه على اللغة المعربة ستتغير دلالته حيث سيصبح.../ليس من وَلَى وفعل وَلَى فاعله والي والوالي من تولى أمور الناس...أما لفظة وَلَى من لغتنا المحكية لها دلالة أخرى أي أن ...من وَلَى... تأتي مختلفة المعاني حسب السياقات التي تأتي بداخلها .وكمثال لا الحصر... توظيف العيطة للفظة في البيت التالي...
أربي يا ربي
من ولى درتو حبيب
أي من هب ودب أتخدته الشيخة حبيب دون أن تعرف لا أصله ولا فصله ولا قيمته وهذا السلوك فرضه الإستعمار على الشيخة بعدما كانت شاعرة محترمة مسؤولة على حالات العشيرة وهذه الحالات تتجلى في أغراضها الشعرية ، أصبحت رائدة مواخير يرتادها من هب ودب .
مررنا هذا المرور الخفيف نحادي العيطة باعتبارها مرجعا ثراثيا لنا كمبدعين مغاربة في فن الزجل .
هذا الثراث الذي يعتبر شكلا فنيا في بناء العملية الشعرية عندما نكتشف ونكشف كنوزه .
وحيث ان المتن العيطي يعتبر المرجع الأساس للشاعر الذي تناولناه الساعة ...
هكذا وبنفس الدلالة يوظف الشاعر الزجال هذه اللفظة إذ وبجرأة كبيرة يزعزع حساسية مخاطبه قائلا أن غزل الشوك لأن يصبح خيوط حرير ليس في متناول من هب ودب .
اكتب
ملي الليف
يولي سيف
يخلي الكبضةg
ويروم أصباعك
من جهة لمضى
يسيح مدادها
وطعناتو في القلب
يداويها سنتير
في هذا المقطع ينتقل الشاعر وقد كان مبدأ كلامه ب اكتب... فانتقل الشاعر الزجال من ترهيب المخاطب إلى الأمر بالكتابة والتنظير لها معلنا ما أضمره سابقا أن الآلة التي تحول الشوك إلى خيوط من حرير هي الكتابة وتكون على منوال تنظيره ...
وبتجلي صوفي استهل تنظيره مستحظرا إقاعا سريعا يتفرد به الشاعرولا يتقنه من أثرابه غيره ويستميله للذخول في جذبة ترفعه لعالم غيبي مفعم بالكلمات البديعة وكأنه يتصل اتصالا روحانيا بشيطانه الذي يعلمه زخرف القول . كما وقد وظف البعد البلاغي المبين لجمالية اللغة المحكية والذي لا يخلو من أي نص للشاعر بلعطار .
إن حروف الكتابة الشعرية الزجلية التي حضيت بتنظير بلعطار هي حروف لها أرواح ، وتتمرد بحيث أنها تُخلق على هيئة فتتخد هيئة أخرى كما تشتهي نفسها لنفسها والأدهى من هذا فهي تتصرف بدون رادع ...فعندما يصبح الألف سيفا وينقلب نصله إلى حدته ليدمي الأصابع فهذا شيء غير طبيعي ...لكن كلها تلوينات من شاعر لعوب بالكتابة مستعينا ببلاغة اللغة المحكية : وهذا ما يسميه الرائد أحمد لمسييح "بالتشيطين د الكتبة"
حيث أن الليف الذي وضعه في وضعية المشبه
والسيف الموضوع في وضعية المشبه به وأضمر أداة التشبيه فكان تقديرها الوصف الكامل لعملية قطع الأصابع وسيلان المداد الذي جاء هو الآخر في حالة تشبيه للدم ...فيخبرنا الشاعر الزجال أن كتابته حيرة تختلط فيها كل مقومات الكتابة الشعرية التي إذا ما استثنى منها عنصرا لعبت ضدك وكانت لك عدوا يطعنك . وكما قلنا سابقا أن الشاعر له القدرة على أن يتلاعب بالصورة البلاغية ، ففي نفس الصورة المركبة بلاغيا من تشبيهين /تشبيه تام/ وتشبيه مؤكد/ ينبعث تأويلا آخر هو أن لهذه الكتابة أرواح كما سبق الذكر ولها طقوس لأجل المعاملة معها وعندما تخلق وتكون وتنتفظ وتشتعل وتصيب نيرانها من توجهت نحوه فلا يخمد هذه النيران إلا التبريد عبر التواجد عن طريقة الجذب (ما يسمى عند أهل الجذبة ب( بارود ..بارود بترقيق الباء والراء أو دعوة للشيخ).وتكون الأداة التي تتدخل لتحدث التبريد هي نغمات السنتير وما يلتصق بها من غيبيات أسطورية . لا يسعنا التأويل في أن نخوض تلك العوالم .
اكتب/اجدب
ملي البا
تعود وبا
ويدييييييع
في الذات جربة
وبصمغ الروح
داويها جروح
وبالصدق في التعبير
ها قد وصلنا الى نبوءة التأويل عندما ربط طريقة الإيقاع السريع بالتواجد (الوجد) عن طريقة الجذب وما وصفناه قبل قليل بالتجلي الصوفي.
إذ يأتي الشاعر بتصريحه شعريا وهو يعيد للمرة الثانية كلمة اكتب وتكرار اللفظة شعريا قد أحالوه الراسخون في التأويل إلى الهوس/ l'obsission / والهوس بمعنى اللفظة أي أن الشاعر الزجال يأكد مرة أخرى هوسه بالكتابة .
ليبقى مستمرا في تنظيره للكتابة المثلى لديه فأقول وكأني متلقي موثوق أن بلعطار يلقن مبادئ الكتابة الزجلية التي تجعل الذات موبوءة /ملي البا/تعود وبا/لكن ليس ذلك الوباء المسبب للأذى العضوي فوباء الكتابة كما ينظر لها بلعطار هو ذاك الإحساس الذي يغزو ربوع الذات.../ويدييييع/ف الذات جربة/ والجربة هو مرض جلدي سطحي تلاعب معه الشاعر اللعوب ليشبهه ب الرعشة الناتجة عن الإنتشاء... الظاهرة من خلال الصدق في التعبير كما و أن إشارات الصدق لا يستشفها إلا المتلقي قارءا أو سامعا مستشعرا مرتعشا ومقشعرا جلده
وهنا الشاعر الزجال ادريس بلعطار كان وفيا للون كتابته عندما وضع فيها مشترك التلقي من خلال الأسلوب الشعري (التعبير) وصدقه .
وأما وتقنيات الكتابة من صور شعرية وبلاغية لا داعي من تكرارها لأننا قد وصفناها في المقطع ما قبل . حيث لا تخلو نصوص بلعطار من الوعي المطلق بالكتابة الشعرية الزجلية .
اكتب /اجدب
ملي التا
تعود أنثى
مربوطةفيك انت
وانت حتى انت
كون زطاط
وعلى حروفك تغير
لقد تطرقنا لكل ما ينبغي تلمسه في علاقة النص الشعري الزجلي البلعطاري بتقنيات الكتابة المقعدة ، فيكون هذا المقطع قابلا للتأويل فقط أما التوصيفات التقنية فلقد مررنا بها في توظيفات سابقة.
ليبقى القطب الغوث الزجلي يتغنى بهوسه بالكتابة وعلاقتها بالطهر المجذوبي عبر تكراره للفظة /اكتب/اجذب... ويصدر توصياته من خلال حراسته على الكتابة الشعرية الزجلية التي يُنظًر لها ...ويوصي الشاعر المُنَظًِر مخاطبه الذي سلمه إجازة الكتابة المثلى أن يكون زطاط /وعلى حروفو يغير /والزطاط هو حامي حمى الحمى الشعرية الزجلية .
وأخيرا يطرح الإستقراء علينا استفهام وجب تفكيك رموز ما للوصول الى الإجابة عليه بسؤال... والسؤال هو لماذا بلعطار اقتصر على ثلاثة حروف يبتدأ بها الترتيب الألفبائي...الليف/البا/التا...( l'ordre alphabétique)
وكأن الشاعر المُنظًِر يود أن يلقن للمتلقي الحروف الأولى لأبجدية الكتابة الزجلية من خلال نصه ..؟
......