الجمال والأخلاق اجتماع أم افتراق؟

الرئيسية إبداعات فكرالجمال والأخلاق اجتماع أم افتراق؟
الرئيسيةإبداعاتفكرالجمال والأخلاق اجتماع أم افتراق؟

الجمال والأخلاق اجتماع أم افتراق؟

الجمال والأخلاق اجتماع أم افتراق؟

الكاتب: د. عبد الله المودن

 

الجمال والأخلاق اجتماع أم افتراق؟ إ

 

        في إطار تكريم الدكتور طه عبد الرحمن، باعتباره أحد قمم الفكر المغربي والعربي الإسلامي المعاصر، ارتأينا أن نقدم وجهة نظره حول الفن، وبالتالي الأنشطة الفنية كالمهرجانات وغيرها مما له علاقة بالإبداع والفن عموما (السينما والمسرح والموسيقى...) التي تنظم في وطننا، وكانت محل نقاش وجدال...  فمساهمة في توضيح جملة من الأمور المتعلقة بهذا الموضوع علها تساعد على فتح نقاش حقيقي حول المهرجانات خاصة والفن عامة، لا بأس من الرجوع إلى كتابات هذا الباحث الجليل ذي التوجه العلمي الأكاديمي الرصين المبني على الموضوعية والتحليل العلمي... ومن ذلك موقفه الجمالي تجاه الفن والإبداع وفنون القول والمسرح والموسيقى وغيرها، كما ورد مثلا في أحد إصداراته ألا وهو: "حوارات من أجل المستقبل"(منشورات جريدة الزمن).

         الانسان بين الجمال والأخلاق:

     فالإنسان الكامل في نظره هو من له نظرة جمالية إلى الأشياء في نفسه وفي أفقه، لأن الإنسان ذو بعدين:

 أولهما جلالي (العلم-الفكر-المنطق-الصناعة...) يمده بالقوة ومتعلقاتها. وثانيهما جمالي (الأدب-الرسم-المسرح..) يمده بالرقة. فبقدر ما يكون الإنسان قويا يكون رقيقا، لأن قوته من عقله ورقته من ذوقه.

         وعليه فلابد من التربية على الجلال والجمال معا حتى يتحقق التوازن والاستواء.

تربية يساهم فيها الجميع: الأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام والمهرجانات والأندية والجمعيات... وتحكمها نظرية في الجمال من بين أسسها نذكر ثلاثة منها هي:

* الجمال متعة طيبة ترفع همة الإنسان إلى مزيد الكمال:

       وإذن فكل متعة تنقلك إلى كمال، وكل كمال ينقلك إلى متعة فوقها في جدلية دائمة بين الاستمتاع والاستكمال.

* القيمة الجمالية، على خلاف العقيدة السائدة عند أهل الفن والأدب، لا تعارض أبدا القيمة الأخلاقية، لأن الجمال مراتب، طرفه الأدنى الجمال الظاهر والقريب، وطرفه الأعلى الجمال الباطن البعيد وبينهما مراتب. والأخلاق أيضا مراتب، طرفها الأدنى الخلق الظاهر المقيد، وطرفها الأعلى الخلق البعيد المحرر وبينهما مراتب لا تحصى.

   فكلما ارتقت رتبتك في إحدى القيمتين ازداد قربك من القيمة الأخرى حتى إذا نزلت أعلى المراتب والرتب في إحداهما كنت في ذات الوقت نزلت أعلى الرتب في الثانية، بحيث لا يفترقان إلا في الرتب الدنيا أما في الرتب العليا فهما مجتمعان اجتماعا:

       فالجمالي العظيم أخلاقي عظيم، والأخلاقي العظيم جمالي عظيم.

        فإذا تعذر على الأمة الإسهام في محيطها الحضاري ببعدها الجلالي: (القوة والبأس)، فيبقى لها دائما متسع في أن تسهم فيه ببعدها الجمالي (الرقة واللطف):                   

       فيكون لنا من العطاء الجمالي ما يجعل أهل هذا القرن يحتاجون إلينا قدر احتياجنا إلى عطائهم الجلالي.

   هل تكلم الانسان الأول الشعر؟ ولماذا؟

 من الأمثلة المجسدة لنظرته الجمالية هذه موقفه من الشعر، وهو موقف يتجاوزه إلى غيره من الأجناس الأدبية كالقصة والرواية وغيرهما من بقية الفنون (الرسم والموسيقى والمسرح...)، ويتحدد هذا الموقف فيما يلي:

         -الأصل في فن الكلام الشعر/ لا النثر. فالإنسان الأول لم يتكلم نثرا، وإنما تكلم شعرا. وتوضيح ذلك أن الكلام الأول لا يمكن أن يكون إلا كلاما مجازيا / لا حقيقيا، لأن الحقيقة بناء عقلي، بينما المجاز معطى فطري، والمعطى الفطري متقدم على البناء العقلي. على انه في ممارسة الشعر وبقية الأجناس الأدبية والفنون ممارسة للكلام الأول، كلام الفطرة الإنسانية في كمالها. فيكون تشبثنا وعودتنا الى القول الشعري وبقية الفنون، تشبث بإنسانيتنا واستكمال لها:

           وهل يطمح الإنسان إلى شيء طموحه إلى تمام إنسانيته.

      - اعتباره للغة الوجود هي لغة شعرية /لا نثرية. فإذا كان الشعر كلام يتولد من الشعور بالإشارة، فهو بذلك مطابق للإشارات التي تحملها الأحوال في أنفسنا والأشياء في أفقنا، فيكون الكلام الشعري جامعا لأطراف الوجود: أحوالا وأشياء.

وعليه فبعودة الإنسان إلى الشعر والفن عموما، يتحقق له بذلك الاتصال بالوجود في كليته، وفي هذا كمال الوجود الإنساني:

           وهل يطمع الإنسان في شيء طمعه في تمام وجوده.

    - الكلام الشعري هو الموصل إلى ما وراء العقل المجرد وليس النثر، لأن النثر أثر من أثار العقل المجرد، والإطلاع على العوالم الخفية يكون بوسيلة غير التي تكون أثرا لهذا العقل. فبالعودة إلى الشعر نجدد أرواحنا:

            وهل يطمح الإنسان إلى شيء طموحه إلى تجديد روحه.

في الختام نشير إلى أننا في أمس الحاجة إلى مثل هذه المقاربات المتسمة بالموضوعية وبعمق فلسفي إلى الموضوع بعيد عن النظرة الضيقة وعن النزعات المذهبية التي تدعو صاحبها إلى السجال العقيم والبحث عن الغلبة...، ما يورث الكراهية فتترسخ الخطابات العنيفة، وبالتالي تسود التفرقة والتشرذم والتخلف، وكل هذا وغيره مما يعج به واقعنا ويعبر عنه حالنا، يجعلنا نقول مع هذا العالم الجليل:

*التربية على الجلال والجمال أمر مطلوب.

*لا تعارض بين القيمة الجمالية والقيمة الأخلاقية متى ارتقينا في مراتبهما... لأن الجمالي العظيم أخلاقي عظيم، والأخلاقي العظيم جمالي عظيم.

*بعطائنا الجمالي سنفيد الإنسانية.

فلابد لنا من العودة إلى الشعر والفنون لأن ذلك يحقق إنسانيتنا وتمام وجودنا بل وتجديد أرواحنا.

ولهذا أمكننا القول إننا أيضا في أمس الحاجة إلى الفنون والأنشطة الفنية والأعمال الإبداعية التي تنمي الحس الجمالي الرفيع وترعاه وتصل بكل إنسان إلى أن يكون رقيقا، كما تصل به العلوم والصناعات إلى أن يكون قويا، وبالتالي يتحقق التقدم المطلوب والرقي المنشود، فلا تغرق مجتمعاتنا في شهواتها ولا تنحل أخلاقها... وكل هذا للأسف يقع تحت شعار ''الفن" الذي هو وسيلة للتخلق والتحرر والبناء...

فكل أخلاقي عظيم هو جمالي عظيم، وكل جمالي عظيم هو أخلاقي عظيم كما قال الدكتور طه عبد الرحمن.

 

<< العودة إلى الصفحة السابقة

شارك الصفحة على :

تعاليق

اترك تعليقا




إنسخ رمز التحقق

b8YYTp

© جسور - 2025 - جميع الحقوق محفوظة.