الكاتب:حميد بركي
قراءة في قصيدة -عمر واحد ماكافيش- للزجال عمر نفيسي
..
الجناس في صناعة الزجل الراقص
...
وعندما نتكلم عن الجناس الزجلي فهو كما عليه الفصيح تماما مما يجعله ضمن كيفية النسج على مستوى السياق التوضيبي لدى النص كالجناس الذي اعتمده فحول الكلمة وهو ما نجده عند الزجال عمر نفيسي في قصيدته " اعمر واحد ماكافيش" وهي إشارة إلى سنوات الرصاص حيث النضال إذ استعمل العنوان كإيحاء رمزي، ليعتمد الجناس في بعض كلمات النص كإيقاع لفظي يثير به شغف الحرف مما يجعلني ان أشير إلى ماهية الجناس إذ لابد
لابد من ذكر بعض انواعه حتى لا نكون على غير ما نشير اليه من فن إيقاعي، وهو على عكس الثورية، إذ ان الثورية معنايان في كلمة واحدة وقد عرف الجناس بتشابه لفظتين رغم اختلافهما في المعنى، ويعتبر الجناس احد المحسنات البديعية وهو على أوجه مثل الجناس اللفظي أو التام بمعنى الكلمتان اللتان تحملان نفس الحروف ولا يحملان نفس المعنى، وهو إما تام، أو ناقص.
فالتام: " هو اكتمال التشابه الحرفي بين اللفظتين وحركاتهما، على نفس الترتيب " أما الناقص: ما اختل احد شروطه "
وللتوضيح مثلا يمكن أن نقول بأن الجناس التام كقوله تعالى " ويوم تقوم الساعة ما لبثوا غير ساعة" فالساعة الأولى يوم القيامة، ويراد بالثانية الساعة الزمنية، كما يمكن أن نقول في الجناس الناقص قول الشاعر أحمد شوقي رحمه الله تعالى
اختلاف النهار والليل بنسي
اذكرا لي الصبا وأيام أنسي
فالجناس فيه بين ينسي، وأنسي، إنه اختلاف في حرف واحد مع ترتيب الحفاظ على ترتيب الحروف، والحركات، وقوله تعالى " والتفت الساق بالساق *إلى ربك يومئذ المساق" يتجلى الجناس الناقص من جهة نقص عدد الحروف
وعبر هذا التلألأ البلاغي نجده في زجلية الشاعر عمر نفيسي المعنونة " اعمر واحد ماكافيش"
اعمر واحد ما كافيش
****************
إلى كان عمري نادر
ندرسو وندريه
نصفي منو لخواطر
ونقول: اعمر واحد ما كافيش
نسافر...
على ظهر التزمام
نعصر شهدة الروح
نبوح ...
والى تقادا هد لعمر
أنا بيه ما ساخيش
حيث اعمر واحد ما كافيش
عيشكم ألرفاگ
جبدوني ف الحديث
وملي تدفنوني
كتبوا على شاهد لقبر
هذ التيلاد
جا ناقص اعمر ...
وداز وزاد
داز مزروب ف جلايلو يعثر
وزاد ب نية صافية
قليب يقلب فين يعيش بلا اغدر
حيث اعمر واحد ما كافيش
عيش ألعمر عيش
وعيش وشَيَّع نيشان
دوك الطرقان
عيش ايامك لوان
وگول داز لعمر وانا ما دريش
حيث اعمر واحد ما كافيش
مالك يا لعمر ناقص ازهر
كون ما راسي راسي
وبهد لكلمات يسكر
وجمرات نغماتو تزهر
كون كان هد لعمر ديوان خاوي
صفحاته تقشع بالنقاوة
ياك الحيط ملي راب راب حليب لخاوة
والمنجل خانتو لمضاوة
والمطرقة طرقت راس الحداد
وانا بعد لا وفيت وَفًِيت
وكفيت من لعناد
وگلت يا راسي عيش
ما داز عليك يتكنش ف الكنانيش
راه اعمر واحد ما كافيش ...
...
من بين ما جاء به النص من جناس قوله
كون " راسي راسي"
ياك الحيط مني " راب راب"
وأنا بعد لا" وفيت وفيت "
وداز وزاد
داز مزروب في جلايلو يعثر
وزاد ب نية صافية
الجناس التام من في قوله " راسي راسي" نفس حروف الكلمتين من الراء والألف والسين والياء " غير أن راسي اسم رأس الشخص بياء ملكية المتكلم اخر الكلمة، وراسي اسم فاعل وياؤه ياء أشباع، وكذلك قوله راب راب، وفيت وفيت، أما الجناس غير التام يتجلى عبر كلمتي داز وزاد، نفس الحروف إلا أن حروفها متشابهة دون نفس الترتيب،
اما على سياق الموحي إلى سنوات الرصاص ما يشير قياسه على ما في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الراوي أنس بن مالك، المحدث مسلم المصدر صحيح مسلم
" ما من أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا وأن له ما على الأرض من شيء، غير الشهيد، فإنه يتمنى أن يرجع، فيقتل عشر مرات، لما يراه من الكرامات "
واذا كان الشهيد يريد العودة إلى الحياة ليموت شهيدا لأجل المكانة الرفيعة التي شاهدها عند ربه، فالمناضل لايكفيه عمر واحد لأنه يريد أن يضحي لأجل الوطن والكرامة مادامت جنته في الدنيا كرامته، وعلى هذه الصيغة جاء السرد البنيوي حبكة تتألف من تداخل المعطيات الدالة على حب الوطن والشجاعة التي هي رأس ماله المعنوي،
..
حميد بركي