الكاتب: عمر نفيسي
الأسلوبية و مواجهة الرتابة .وآفاق حداثة الزجل لدى الشاعر الزجال كبور فرتاد
يابن عمي ...!
انا عييت منخيط من اهذوب البرد ،
قشابة لمفاصل الريح ..
وندفي موال لحال ..
انا عييت منبخر سكاتي ..
ونخلي دخان الوقت يتكلم ..
ويشرب حماقي م ساگية لهبال ..
يابن عمي :
سربي كفن كسدة لوقت ..
واغسل عمش لبحر ..
قبل م يطوي غروب الشمس مجبد الما ..
يابن عمي ..
تقسم اظهر
تشرگ جفاف صبر ..
اشحال گدي م لوسخ ..
نفصل سروال لعمر ..
للي صبنتو هي ..
تكملو ارقية ..
وتشيط لي جدبة ف رحبة
k fartad
تجربة شعرية زجلية مسفيوية تعرفت عليها حديثا من خلال بعض الشطحات تنذر أن شاعرها يصارع آليات الكتابة الشعرية بشراسة وهو يوتي قصيدة النثر من حيث أمر الشعر .
إنها تجربة الشاعر الكبير وقد أصفه بأمر سلطة النقد أنه أحد مرودي جموح القصيدة المعاصرة المغربية بامتياز ، إنه كبور فرتات . لا أدري هل الفئة الشاعرة الثقيلة التي بيدها خيوط اللعبة الشعرية تعرفه وأكون أنا ممن تعرف عليه متأخرا أم أنني أول من عرف قدر الرجل خصوصا وأنه يبدو محبا للظل .
الشاعر الزجال كبور فرتات لم يقف عند ضلوعه في اللعب بآليات الكتابة بكل مهارة وتقنية من خلال تعامله مع قصيدة النثر ولغتها العالمة .بل استغل مهارته الشعرية وهو يكتب الزجل شعرا بكل تجلياته .
وكما كنت ممتنا للشاعر الزجال عندما منحني متعة التلقي من خلال مقطع من إبداعه الزجلي صادفته على حائطه بالفيسبوك سأكون ممتنا له مرة أخرى وأنا أقتحم مساحته الشعرية بإذن من سلطة النقد .
قيل والمثل الشعبي صاحب المقولة..." إمارة الدار على باب الدار ". وكبور فرتات يريد تجاوز هذه العلاقة الثراثية أو ما يسمى بالتعلق الرومانسي بالثراث الشعري بادئا قصيدته بتغييب العنوان وهي تقنية أو موضى حداثية أصبح الحداثيون الشعراء يعتمدونها عن عمد من أجل الإختلاف وذلك ربما يأتي في إطار تكريس دعوة الخروج على الشكل الكلاسيكي . وكذلك فالشاعر الحقيقي لا يضع أو يتخلى على أجزاء من قصيدته عبثا ولأجل لاشيء بل كل له دلالاته .
وحتى لا أطيل أوأتهم بالإسهاب والثرثرة دون الخوض في ما هو ضروري داخل التجربة الزجلية للشاعر كبور فرتات . سأنتقل لتفكيك النص الذي بين يدي والذي عنونت له هذ القراءة بالعنوان التالي :
الأسلوبية و مواجهة الرتابة .وآفاق حداثة الزجل لدى الشاعر الزجال كبور فرتات .
نعم فمن كنف زجل كبور فرتات تنطلق تراجيديا السفر الملئى بالصراعات ، صراع آليات الكتابة الشعرية التي تجبرنا على الوقوف حيارى وهو يصارع اللغة من أجل إنشاء قول مختلف يعتمد على انزياحات تسافر بالمتلقي لاكتشاف تشرده داخل عوالمه الشعرية .
يابن عمي ...!
انا عييت منخيط من اهذوب البرد ،
قشابة لمفاصل الريح ..
وندفي موال لحال ..
مند مطلع النص الشعري يدرك القارئ أن الشاعر يصارع آلياته في الكتابة الشعرية لبلوغه قمة اللذة والإثارة الشعرية ، بدءا بتوظيفه لتشكيل زاخر بالإنزياحات .
يا بن عمي ... نداء أو توسل من وسط انهيار أو قلق تؤكدهما صياغة الأسطر المركبة للفقرة الشعرية الآتية .
أنا عييت منخيط من اهذوب البرد
قشابة لمفاصل الريح
وندفي موال الحال .
لاحظ هذا المنتج الشعري وما حققه من حس جمالي عبر هذا النسيج الإنزياحي داخل هذا التركيب اللغوي الشعري.
في الحقيقة لقد دفعني لأن أكون ناقدا مبدعا وأنا الذي لم أعترف يوما بقدراتي النقدية ، فكلما أعدت قراءة سطر أجدني أبدع تقديما مرصعا بمصطلحات قد تكون صالحة لإدراجها في لائحة المصطلحات النقدية .
أنا عييت منخيط من اهذوب البرد
قشابة لمفاصل الريح
وندفي موال الحال .
نعم وفي إطار الأسلوبية وتبيين توظيف ظاهرة الإنزياح لابد لنا من الوقوف أمام هذا المنجز الإبداعي وما يكتسيه السياق لإخراج المعنى من خرق اللغة .وهنا تكمن القيمة والجمالية للنص الشعري .
فهذا الزخرف اللغوي الناتج عن مقابلة: العياء/لمفاصل والبرد / الحياكة (منخيط) /القشابة /الدفئ .
كلها مراوغة أسلوبية لتحقيق الحس الجمالي عبر المقابلة ... والمقابلة محسن بديعي يوظفه( الرقاقية ) القلائل جدا من شعراء الزجل المعاصر .
أنا عييت منخيط من اهذوب البرد
قشابة لمفاصل الريح
وندفي موال الحال .
يا سلام ...صورة شعرية تجبرك عن ترصدها ذهنيا وتجعلك شاردا بين متاهات تفاصيل كلماتها . فتعود من حيث بدأت مرات ومرات وفي الأخير لن تنتهي الرحلة وهنا أعترف أنني وسط عاصفة شعرية هوجاء ... أليس هكذا هو الشعر الحقيقي والكتابة الحقيقة للشعراء الحقيقيون ..؟
الشاعر هنا يغطسك حد انقطاع التنفس في جنون شعره
كبور فرتاد هذا شاعر مجنون يقحم المتلقي داخل جنونه ويقفل عليه جميع الأبواب .
فمن شساعة الخيال وحِدّة التخييل وقُدرة المخيلة على خلق الأفكار والصور الخارقة إلى التمكن من الآليات الميكانيكية لبناء صرح شعري متين الأجزاء والتركيبات .
لاحظ كيف صور اهدوب البرد وواصلها بعملية الخياطة حيث أن العلاقة هنا ضرورية بينها وبين أدوات الخياطة و الشعور بالبرد تحسه كلسعة إبرة والشاعر يستخدم مطلق شعوره واستشعاره في شعره ليعود ويقول لنا أن هذه الإلتواءات وهذا (التنوعير) اللغوي كله من أجل أن يدفئء موال الحال ... وهنا الرجوع إلى الشعر والكلمة التي تعتبر أحد لبنات أو مركبات هذا الموال الذي له علاقة ضرورية بالشعر من حيث الكلمة والموسيقى والإيقاع . والحال المتقلب والمتحرك الغير مستقر والمتراقص الذي يلازم حياة الشعراء يبحث له كبور عن موال دافئ لكي يهدأ ويتبدد عياءه ويستريح ثم ينجلي هذا القلق .
وإذا توفقت في استقراء ما بين يدي فإنني سأقول لكبور : لن يتبدد إحساسك بالقلق لأنك شاعر رهيف الحس
انا عييت منبخر سكاتي ..
ونخلي دخان الوقت يتكلم ..
ويشرب حماقي م ساگية لهبال ..
الشاعر الزجال كبور أرهقه تبخير سكاته والتبخير عملية حرق مادة لتتحول من مادة إلى غاز يصدر رائحة أكثر قوة مما كانت عليه وهي مادة والشاعر استعمل لفظة التبخير ليخرج من صمته ما يفاجئ به الصمت نفسه إلا أن صمته أصم لم يستطع أن يخرج منه سوى الصمت لهذا نرى أن الشاعر يحثنا هنا أنه قد أرهقه ترويض صمته الأصم الذي لم ينتج إلا الصمت وفي النهاية يسلم أمره للغاز المستخرج من صمته يتكلم بلغة الرائحة ويكتفي هو بشرب جنونه الجاري في ساقية حمقه وهبله بل يكتفي بشعره الذي يتغدى بجنونه... حيث أن الحمق والجنون والهبل مصطلحات لها دلالة اليومي والمألوف في القصيدة الشعرية المعاصرة التي أنجبها الشعر في الستينيات واقتصر ظهورها على هاته الأجيال فقط خصوصاأن الشاعر الزجال فرتاد كبور ينتمي وينتسب لأدباء هذا الجيل .
كما استوقفني المقطع وعاد بي إلى أحد المقاطع من قصيدة (حلاوة القصيدة هبال) من ديوان هذ الهبال خو حماقي لشاعر زجال إسمه عمر نفيسي .
والمقطع يقول :
الحماق والهبال
خوت شقاق
ساكنين جيران
فبطاح القصيدة .
نعم فالجنون طعم يزيد القصيدة لذة وكلما ارتفع منسوب الجنون داخل القصيدة ازدادت لذتها .
يابن عمي :
سربي كفن كسدة لوقت ..
واغسل عمش لبحر ..
قبل م يطوي غروب الشمس مجبد الما ..
يابن عمي ..
تقسم اظهر
تشرگ جفاف صبر ..
اشحال گدي م لوسخ ..
نفصل سروال لعمر ..
للي صبنتو هي ..
تكملو ارقية ..
وتشيط لي جدبة ف رحبة
لم يكتفي كبور فرتاد بتوسلاته في مطلع النص الذي بين أيدينا... فنداءاته المتكررة في النص الواحد قد تدرج النص في نسق الشعر التوسلي الصوفي ... والنص لا يخلو من إشارات تنم على أن الشاعر الزجال في حالة اغتراب ويعيش في ظلمة الإكتئاب والسودوية والترقب نحو منقد ما /يابن عمي تقسم الظهر / تشرگ جفاف الصبر / يابن عمي / سربي كفن كسدة الوقت / ... قَلَقُُ ناتج عن حرمان لا يخمده سوى لحظة وصال أو لحظة كلحظة الشوق عند المتصوفة .
.....
.....