الكاتب: د. عبد السلام فزازي
ما أحوجنا...!
ما أحوجنا إلى ضرورة تنمية ثقافية سياسية. إشكالية العالم العربي والإسلامي غدت شبه عصية إذا ما أردنا عد الأسباب والحوافز المتحكمة في قدرات تهدر بشكل من الأشكال في سبيل تحقيق ضرورة تنمية ثقافية سياسية أن على المستوى الذاتي إلى جانب المستوى الموضوعي، ولهذا تختتم علينا على اعتبار أننا نعد من الدول المتأخرة في هذا المجال أو يمكن أن نؤمن ولو من باب الطوباوية أننا في طريق النمو.. وحتى نكون موضوعين ونحن نتوخى تحقيق هذه التنمية علينا فعلينا تحقيق ديمقراطية جديدة وحداثة شأنها شأن الدول التي كانت بالأمس مثلنا إلا أنها حققت بالعمل والعزيمة ما جعلنا ننظر إليها نظرة إعجاب وتساؤل يرهب أجيالنا التي من الأكيد أنها ستحاسبنا عن وقت أضعناه في القيل والقال بينما غيرنا كان يعمل بصمت ورؤية ثاقبة نحو أفق انتظار لم تؤمن يوما أنه يعد من المستحيلات.. وهذه الديمقراطية الحداثية عليها أن تتجاوز شتى عناصر التخلف والاستبداد وصولا إلى الانحطاط الذي لا يمكن أن يختلف عليه اثنان. أنها عناصر تبقى شئنا أم أبينا عالقة في ثقافتنا السياسية السائدة والتي تكرسها الحكومة المنبثقة من أحزاب تجاوزها الزمن إذا ما قسناها بباقي سياسة الدول التي تركتنا نجر أذيال التقهقر الذي لم يكن يوما قدرا مقدرا..ا والحال ونحن نقدم نقدا ذاتيا نيابة عنها أنه لا يمكن البتة الخروج من مزالقنا الراهنة بغية التفاعل الفعال وبصيغة إيجابية مستصحبين نحاسب حضارتنا دون تطليق باقي الحضارات الإنسانية التي يجب أن نعتبرها مرجعيات لا مجرد عنها في زمن عولمة لا تؤمن بالفردانية بعيدا عن الكونية التي هي ملك للجميع.. ومع هذا علينا حقيقة ممارسة القطيعة المعرفية والسياسية وثقافة التخلف التي لا يتبناها ألا من كتب عليه أن يعيش إعاقة ما بعدها إعاقة؛ بثقافة التخلف والاستبداد التي أصبحت فردا في العشيرة لا يمكن قبولها في زمن التنافس الشرس بين الدول لأنها تعد المسؤولية عما نعيشه من الأقل لا تعد ولا تحصى إلى درجة انعكست على مشاريعنا التقدمية المهدورة أننا لم عليها فرملة الحرية التي تبنى عليها التنمية على اعتبار أننا المحرك الأساس لكل تنمية واعدة.. ويكفينا ما عشناه وبشكل مسترسل يستفحل يوما بعد يوم إلى أن تجاوز بنا المحلي والقومي وصولا إلى بثه خارج الضفة الأخرى ونجوم في السماء تنظر ولا تعسف. يكفي الأمة من هذا الاستبداد السياسي إلى أن صار سياسويا بامتياز ولم نعد نستطيع تحمله هو الجاثم على صدورها فرضي بالمقام فأقام، والجميع بل اختصر القول لأقول أن العقلاء وحدهم من يدركون عواقبه المتمثلة في عرقلة انطلاقتها الحضارية الجديدة بعيدا عن الغنائية السياسية التي لا ترى إلا أفق الاستحقاقات والباقي عندها لا يمثل إلا عبورا لا يهمها ما دام ليس لصالحها وهنأ تتضارب الذاتية مع الموضوعية، والمصلحة الذاتية على حساب المصلحة العامة.. الاستبداد الذي أصبح يلفحنا داخليا وخارجيا هو المكبل لأفق انتظار امتنا بمزيد من الكوابح التي أقل ما يجب أن يقال عنها أنها عدوانية مفضوحة ضد الوطن والشعب وبالتالي الإنسانية قاطبة، وهذا ما يتولد عنه أيضا الانحباس التطوري واختناق سياسي بل حتى الحقوقي والحضاري وفي غياب عدالة صارمة ضد كائن من كان من كل من ينتمي لهذا الوطن علما أننا سواسية أمام القانون وأمام أنظار العالم.. وانطلاق من كل هذا تتشكل الحاجة الماسة بغية تحقيق عملية تفكك وجذريا بثقافة الاستبداد الديكتاتوريات في زمن الحريات المطلقة التي تدعونا إليها عولمة ليست ملكا لأحد؛ ومن هنا أيضا نستطيع أن نرنو إلى تحقيق وبناء فكر وثقافة سياسية جديدة المبنية على الديمقراطية الحقة لا الصورية المتهالكة في العالم العربي حيث سيسود القانون ولا شيء غير القانون إلى جانب احترام حقوق الإنسان الذي بدأ للبعض مجرد لعبة نرد والأمثلة بدت واضحة للعيان؛ من هنا بالضبط ستتشكل الحاجة الماسة إلى تفكيك ثقافة الاستبداد والديكتاتورية في الفضاء الثقافي والسياسي العربي، وبناء فكر وثقافة سياسية جديدة، قوامها الديمقراطية وسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان وصيانتها .ولعلنا لا نبالغ حين القول: إن المسئول الأول عن إخفاقات الأمة المتتالية في كل حقول الحياة، هو الاستبداد والاستهتار بالرأي والقرار بل الاستفراد بالسلطة التي يسودها الشطط المستحوذ بشكل لا يوصف. علما أن هذا الاستبداد وبخلفياته العديدة والخطيرة، هو مصدر إخفاقاتنا وفشلنا الذي بتنا نحصد نتائجه المهولة، ومن يدري أن ما نعيشه اليوم هو من سيشرع غدا لا قدر الله لهزائم طالما عانت منه الأمة العربية والإسلامية منذ عقود. كأننا لم نقرأ ونعتبر مما قرأناه بل وعشناه أن حيثما عشعش الاستبداد السياسي إلا وكانت الأرضية مفروشة لاستقبال إسقاط ترسانة من عناصر القوة في أي وطن من الأوطان العربية لا قدر الله.
وانطلاقا من هذا الفراغ المهول الذي عشناه ولا زلنا نعيشه فإننا ندعو إلى ثقافة سياسية جديدة، تحفز بشكل عقلاني المجتمع وبكل مكوناته وأجياله المتعاقبة إلى المشاركة السياسية الحقيقية استجابة لمقتضيات زمن لم يعد فيه للبهلوانية السياسة من مكان، ولا حتى اللعب بالنار نحيي من خلاله الحكمة المشؤومة" فرق تسد " واستحضار حكمة " الإنسان المناسب في المكان المناسب" بعيدا عن الديماغوجية التي أصبحت ظاهرة للعيان إلى درجة لا تدعونا إلى أي تأويل يذكر والحال أن السباق نحو الكراسي غدت عاشقة غير محترمة. وفي هذا الإطار يجب على الوطني الغيور أن يفكر مليا كيفية تدبير إدارة الشأن العام بغيرة ما أحوجنا إليها، وهذا ما يلزمنا بالتمسك بالثقافة السياسية الجديدة، وحاجتنا إلى الديمقراطية النابعة من واقعنا المعيش واضعين أمام أعيننا ديمقراطيات تحقق بعزائم الوطنيين الحقيقيين ومكنسين الفزاعات السياسية التي لا تخيف بعوضة لأنها تربت على الوصولية وبعدها الجحيم…
(يتبع)