الكاتب: سعيد فرحاوي
قراءة في كتاب: بؤس العالم: بيير بورديو.
بؤس العالم ، كتاب لبيير بورديو، عمقه فتح نقاش جاد وهادف برؤية نبيلة تعيد النظر في ماهية المستلب لفهم هويته، التي قال عنها الباحث بأنها غائبة، مادام يغييب فيها وعي الإنسان بذاته، ليصبح البديل هو الشعور الدائم بالاغتراب في عالم ظالم ومستبد، اي يتحرك المضطهد بوعي ثقافي فقير يؤسس جدلية تفاعل حياة الإنسان المقهور الذي يعيش في وجود تحركه المحرقة الامبريالية التي تتحكم في وسائل تسويق ايديولوجيا الاستهلاك من منظور الأحتكار والتحكم في كل وسائل التأثير المتحكمة في العقول، خاصة الإعلام الذي يبني المعلومة ويغير صيغتها بكل الأساليب التي تقود نحو استلاب همجي أساسه توجيه وتبئير المشهد الطبقي لتغييب الذات المستلبة فينسى فيها المقهور عقله، ليصبح أداة تكرر، و تستظهر، لا تبدع ولا تملك القدرة على صناعة القرار.
كتاب إنساني جريء دفعني بقوة ان أعيش معه بتحليل يعتمد على اسلوب الانطلاق من هموم الحياة اليومية المعيشية للإنسان المغاربي المهاجر من أوطان لم تضمن حقوقه، كما لم توفر له شروط معقولة وكريمة ليجد. نفسه ضحية عالم جديد/فرنسا فيعيش كل أشكال الرفض والاستغلال ومعاناة لا حصر لها في علاقات مبنية على التناقض والرفض، انطلق من جحيم الواقع اليومي قبل التحليل العلمي و المعرفي، لأن حرقة الواقع تشكل المنطلق لفهم ضوابط التحليل المعرفي والفكري، بحثا عن مساع جديدة تحدد كل أشكال الاستلاب، كما تعري عن كل ما من شأنه أن يجعل الانسان سلعة تباع وتشترى، وهي عقليات تتناحر بحثا عن لقمة عيش محروقة، في غياب قرارات واعية تحركها قوى مالكة لكل أساليب التحكم والتدجين.
بؤس العالم هو كتاب الجرح الخفي الذي يسهم بشكل نبيل في إعادة الاعتبار للرؤية البشرية الحقيقية، من زاوية أخرى تعري عن المخفي، كما تكشف عن آليات التلاعب بالعقول لصناعة إنسان غائب عن كل المجالات، يصنع لنفسه بديلا مضبعا، قد يكون مجالا مفتوحا ( كرة القدم مثلا) ، وقد يندمج في عوالم الجريمة بكل اصنافها كالتحارة في الممنوعات وممارسة الدعارة والالتجاء إلى أساليب العنف،لصناعة الرؤية البديل بحمق خارج الطبيعة البشرية الهادئة والطبيعية، كلها محركات تجعل الممارسات والسلوكات اليومية عادية، لهذا فطبيعي جدا في حياة عمقها وعي بئيس، ان نجد الاستاذ يعنفه تلميذه والطبيب يحتقره مريضه والفيلسوف مجرد كائن تائه في وجود غير معترف بالكفاءات وبالطاقات الحية.
بؤس العالم يعري عن بؤس المبدع الذي يقتل كل قصيدة ليحرك قصيدته بصفتها النموذج الأوحد القابل للقراءة. كما هو بؤس الناقد الذي يبيع مقالا بألف درهم ليحرك قلمه بتعال اناني ومتعجرف، وبؤس شاعرة تبيع جسدها ليكتب عنها الآخرون فتجلس فوق المنصة لابسة احسن ما لديها، متزينة بأحسن الروائح المعطرة الزائفة، هو بؤس المؤسسات الثقافية التي تمجد الرداءة، لاتعترف بالجودة، تهمش الكتاب الحقيقين، فتكرس سياسة القدم قبل القلم.
بؤس العالم هو كتاب يعري عن فلسفة المتاهات التي يعاد فيها الاعتبار للتافهين ليتحكموا في كل قرارات العالم ويعيدون صناعة التاريخ .
بؤس العالم هو الوجه العاري للحقيقة التي تخفيها بكل أشكال الزيف لنظهر للآخرين اننا في أحسن حال.
بؤس العالم هو التعرية عن الوقاحات في عالم تتحكم فيه ثقافة البؤس لصناعة وعي زائف يعيد إنتاج انسان بصفته الكائن المقهور الذي يبحث عن بدائل بحمق لا يرحم.
.....
.....