الكاتب: حسن برما
بيني وبينك شعرة خيانة
لم تعش مخاض الولادة، لم تحضر حين خرج الحلم من رحم المعاناة، وقبل آن تتفتح زهرة صرختك المفترضة، خنت انتظاري، بعت نفسك بأرخص الكراسي وأخبث المواقع، وأنا ما زلت أسبح في حلمي الطفولي متصالحا مع هزائم ساهمت فيها بانبطاحك وغباء غدرك.
استثمر في خياناتك البليدة، بِعْ ثقة من توهموا فيك القدرة على صيانة الحلم، واصل قتل ضميرك، تخلص من جلدك المتسخ في ساحة الخونة الأوغاذ، غن بصوتك المشوه أراجيز الأبواق المأمورة، تحت يافطات القطيع المرتزق، قرب دكاكين تشريع الغدر بدماء من اختطفوا قبل آذان الفجر ورعب المداهمات، والتقِطْ دريهمات تخدع يومك الماكر !
لا تهتم بآثار جرحي القديم، دعني أمضي منشرح القلب مرتاح البال فيما قُدِّر لي من الإيمان بحلم أهدى لحياتي بطاقة هوية تعشق الجمال الحر، ونم أنت رفقة كوابيسك المتحجرة في حلق عبورك الرخيص، استعن بحبوب تخدر مشاعرك القاسية، واجعل عينك ترتاح لما بنيته من مكر وخبث وعهر، ولا تلتفت لمن تركتهم على قارعة الطريق يستجدون رحمة من لا يرحم!!!
وكُن على يقين تام، أنك لم تخن بداياتي، أوهمتك حماستي الساذجة بسهولة الغدر بي، اتخذت جثث ضحايا التعذيب والاختناق أدراجا تعلو بك نحو منارات من ولدوا وحوشا بغريزة الافتراس وفطرة من وجدوا لقتل الأمل، وأسلافك قالوا إن الأعراب أشد كفرا وجشعا!!؟
امتطيتَ صهوة سرج مزين بخيوط الذهب المزيف، انتشيت بخدر الركوب، راكمت الأوهام والتهيؤات، سافرت نحو أضرحة المواسم المخدومة وبركات أولياء التاريخ المتواطيء، ونسيت أنك تركب حمارا أجرب لطخ بفضلاته الكريهة نشوة الابتعاد عن جرح الأشقياء، بل كنت أنت الحمار الذي لم يحارب طواحين ولا انتصر على فرسان من قصب، واخفيت فشلك بتماديك في النهيق البشع وترديد مناحة العام زين وما انتهيت.
من سوء حظك المنحوس، أنك لم تكن لاعبا مهما في لعبة أكبر من نواياك، خذلتك قراراتك المقنعة بأقنعة ليس في الإمكان أحسن مما كان، فرختْ سلالة عشيرتك نعوتا وشواهد براقة عجزت عن محو خيانتك الموشومة في ذاكرة من وثقوا ببراءة في أولاد الحرام، رأيناك تبتعد عنا، ورأيتنا خلفك مباشرة ندوس آثار غبائك ونرقص على إيقاعات الإدانة.
بمناسبة الذكرى العشرين لخيانتك الصرخة الأولى، عدت لركوب مطية العناد الكاذب والتظاهر بصواب اختياراتك الانتهازية، أحصيت نعما ظاهرية فزت بها خلال نباحك بالمقابل، تأملت غرف سكناك الفاخرة، تفقدت اسطبل سيارات تتحرك بوقود "ديديس" المخصص لقبيلة الخونة ومخبري الوقت الموبوء، وقريبا من عش الأسياد، صادفت قرينك الحر يعيش السفر في راحة دون تأنيب ضمير، غبطته على راحة البال، تمنيت لو ظل وفيا لحلم البدايات واستمر في الاستمتاع بدفء البسطاء وقناعتهم بالقليل من سقط المتاع.
لكنك انحزت لقطيع الجلادين، خنت البلاد والعباد، اغتلت شرف الكلمة العارية، في مختبر الوحوش غير المفروضة، والمتبقي في قبضة يده اليسرى، أسلاك صدئة لفخاخ منتقاة من حظيرة "ديديس" المفتوحة في وجوه من أعلنوا التراجع عن وصايا الشهداء.
سبحت في بحر الأوباش، تنفست روائح الجثث المرمية دون رؤوس، تحملت عطر القنوات الكريهة، ملأت رئتيك بهواء السطح المسروق، أوهمك "ديديس" بنجاتك من حبل المشنقة، ضاعفت مجهودك للوصول إلى ضفة باعة الوهم وتجار المزادات المغشوشة، وفي الأخير، ارتميت منهكا فوق رمل الشاطيء الملعون، وصفقت لموت الحلم والفكرة.
.... حسن برما