الكاتب: عمر نفيسي
المنتج الشعري الحداثي من منطلق التراكم والإنتشار الثقافي
شعر الشاعر عبد السلام بنفينة أنمودجا
(عندما يتنفس الشعر لغته يدوم عطره...تحياتي بابا )
بهذه العبارة علق الشاعر الزجال ادريس بلعطار في إحدى تعليقاته وهذه العبارة لها دلالات عميقة لا على مستوى الصياغة اللغوية ولا على مستوى نقدهاالمنطقي . ومن هنا ندخل إلى نص عبد السلام بنفينة هذا الشاعر المجنون بالشعر والفنون الأخرى .
إنها لغة الشعر المستمدة شرعيتها من ثقافة الشاعر وشاعرنا هذا تجد قوته في لغة شعره وتلاوينها ؛ هكذا فإن ما أتمناه لنتشارك الإستفاذة أن يتتبع المهتم فصول هذه القراءة لإكتشاف آليات الكتابة الحداثية من منطلق التراكم والإنتشار الثقافي لدى الشاعر .
أمطري أيتها النار حيث شئت
فخرابك لي..
ها عشتار تراقص الفراش
في باحة صدري..
سأحشو فمي بمناديل الصمت
لأبتر أطراف الصراخ..
سأضرم ندف الثلج
على جبال الندم
لأصوغ خواتم الخذلان
من فوهات البراكين...
عبد السلام بن فينة
ثورة ضد الشر يفجرها الشاعر عبد السلام بنفينة من داخل مقطعه الشعري المترع عن آخره بإيحاءات متناقضة/ أمطري أيتها النار /سأضرم نتف الثلج/ كلها صرخات توحي بحرب لتحرق الأخضر واليابس إلى حد الخراب
أمطري أيتها النار حيث شئت
فخرابك لي ..
هذه الحرب سيدير رحاها الشاعر لينتهي منتصرا عبر التضحية بالحب وهو يستغيث ب عشتار عندما يناديها /
ها عشتار تراقص الفراش
في باحة صدري ...
الصدر موقع القلب وعشتار تتموقع وتفرش عرشها الإلاهي المنسوج من ألياف الحب والمحبة في باحة صدر الشاعر . هذا الشاعر الذي يناشد إلاهة الحب مشيرا لها داخل صدره وهذه الإشارة نابعة من إحساسه بفيض دافق من الحب وإيحاءه باستحضار إلاهة الحب هوقمة الشعور برمزيتها بداخله والشاعر يشعر بحب مطلق يتراقص بصدره وجمال ينير سواد دواخله ويجب حمايته عبر قوة إلاهية رمزيتها الحب والجمال والتضحية .
سأحشو فمي بمناديل الصمت
أي اغتيال هذا نابع من سودوية الشاعر ... فعندما يشعر أويحس بهذا القلق المبين( اعتبارا أن الشعر إحساس ) اتجاه قصيدته التي هي في خطر حسب تنبؤات قلقه ويريد أن يحشو فمه الذي هو مخرج شعره بمناديل الصمت فإنه إما يخاف على قصيدته من الضياع ويحتفظ بها داخل إحساسه لتبقى ملكا لشعره أم أن الملل الناتج عن كره النطق بالشعر رمى به داخل هذه السودوية وهنا أكون مقتنعا بأن الجواب المقنع يوجد في المنهج الإقليمي الذي يتدارس وضعية ونفسية الشاعر التي لا أحب أن أخوض فيها لإن استقراءاته تصيب مرة وقد تخطئ مرات كما بها خصوصيات لا شاعر يكون صادقا مع قصيدته في هذا المضمار .
لأبتر أطراف الصراخ .
ها ما قلنا قبل قليل ..! ... هنا الشاعر يلتجأ للإلتواءات أو ما يصطلح عليه ب (تحراميات الكتابة الشعرية) ليبتعد عن صدقه مع قصيدته ... كيف ...؟
في البداية كانت ثورة عبر الصراخ استغورها الإستقراء وهاهو يريد أن يبتر أطراف هذا الصراخ ...قد تكون إلتواءات يريد بها تمويه المتلقي وهي تقنية تتربع بنخوة داخل الكتابة الشعرية الحداثية حيث أن الشعراء يعتمدون التناقض الغير متناغم ولا منسجم لتمويه القراء لفقدهم بوصلة الإستكشاف لأن الشعراء الحداثيين يكتبون الشعر لكي لا يتوحد فهمه . بدعوى الإنفتاح على كل التأويلات .ولكن هناك دسائس أخرى يؤمنون بها دون غيرهم .
سأضرم ندف الثلج
هنا تظهر عبقرية الشاعر الحداثي عند تفاعله مع مكونات الصورة الشعرية فإذا نجحت قصيدة النثر في ثورتها الشعرية على مجموعة من القوانين داخل الكتابة الشعرية فإن احتفاظها وتطويرها لمكونات الصورة الشعرية هو خير عمل يحسب لشعراء قصيدة النثر .
سأضرم ندف الثلج . هذا التناقض الغير متناغم ولا منسجم هو ما يضمر فعل الصراع المضني للشاعر مع آليات الكتابة الشعرية...
فهنا الشاعر أرهق مخياله من أجل أن يرهق ذهن المتلقي ويوهمه أن الثلج يشتعل وندفه كالحطب
فالإتيان بلفظة الندف وربطها بالإشتعال هو شيء غير مألوف لدى المتلقي ، ولكن لهم علاقة ضروريةلغوية فإذا كان للندف الثلجية التهابات فإن الرابط المعنوي بينهما هو الإلتهاب والإلتهاب مصدره النار والثلج معا( التهاب بفعل البرد) ... ومن هذا الذكاء يقتبس لنا الشاعر هذا التركيب اللغوي الشعري .
فالصورة الشعرية هنا تجمع بين كل مكوناتها وتكون الصورة فردية ، مركبة ، كلية ... داخل هذه الصورة الشعرية الواحدة /صورة فردية بها مكون التشبيه مضمر لا يفصح عليه الشاعر لاستعراض عضلاته الشعرية وغلق منافد الفهم لدى المتلقي العادي فككنا بعض أجزائها قبل قليل حيث أن الندف كالحطب ليصح القول الشعري كالتالي ... (سأضرم حطب النار ) ويبقى السطر الذي نتناوله(سأضرم ندف الثلج في محل استعارة سأضرم حطب النار أو أي تعبير شعري يوافق الأسلوب البلاغي للسطر الشعري ... / وصورة مركبة جاءت بين ماهو مادي وماهو معنوي وهنا يغيب الإنسجام معنى ومبنى لأن الندف لا تشتعل وهناك تناقض غير مستساغ . إلا أنه داخل الكتابة الشعرية الحداثية مقبول وينم عن فطحلة الشاعر / الصورة الشعرية الكلية وهي مصدر تكثيف تصوير الشاعر لرؤيته اتجاه المحيط به كلها زخم تصويري تحمله وتتحمله الصورة الشعرية الوحيدة الواحدة .
سأضرم ندف الثلج
على جبال الندم
إذا كانت الجبال هي المتعارف عليها كمحتضنة للثلج عموما فإن الشاعر يود حرق أرض الجبل ليستعيد عافيته الشعرية .
وهنا أستحضر سياسة الأرض المحروقة والتي هي استراتيجية عسكرية لها علاقة بالحرب وردود فعله . لنعود مرة أخرى لبداية تحليلنا والتي قدمنا خلاله أن الشاعر يصدر مند البداية صرخات توحي بحرق الأخضر واليابس إلى حد الخراب ... أمطري أيتها النار ما شئت/ فخرابك لي ... وكان يود أن يقول " فخرابك على يدي " إلا أن هناك حياء منعه ولازمه كل أسطر المقطع خصوصا عندما أخمد غضبه وهو يلتجأ الى قاضي وإلاهة الحب عشتار ليكلفه بفصله حبيا عن إدارة رحى هذه الحرب مقدما رغبة عشتار في أي تضحية تختار له .احتراما لرمزيتها للحب والجمال والتضحية .
لأصوغ خواتم الخذلان
من فوهات البراكين...
هكذا فالسطرين يوحيان بأن الشاعر منكسرا ومخذولا . مفروض عليه هذا التطرف المتنافي مع أريحية شاعر التي تتغدى عبر تدي المحبة والسلام موضحا أنه رغم هذا وذاك فإن خواتم الخدلان المصوغة من فواهات البراكين ما هي إلا أصفاد توحي بالعذاب الأبدي ... لا أنكر أن هذه السوداوية أغرقتني في بحر من التساؤلات أصبت من خلالها بخدلان شبيه بالذي يتخبط فيه الشاعر .لأواسي نفسي بتسييج سلطة التحليل لتلعب في ميدانها ولا تتجاوز أسلاك حدود المقطع الشعري
مع تحيات : عمر نفيسي