عرصة الكلام

الرئيسية إبداعات متفرقاتعرصة الكلام
الرئيسيةإبداعاتمتفرقاتعرصة الكلام

عرصة الكلام

عرصة الكلام

الكاتب: حسن برما

 

عرصة الكلام

 

كما بقية الأجناس الأدبية المتفرعة عن شجرة الجنون الفني المحروسة، سوق الزجل مزدحمة بالكثير من اللغط والادعاء والقليل من الإبداع الذي يحترم ذكاء المتلقين الأشقياء.. وأحقاد صبيانية لا حصر لها.

قد أكون مخطئا في قراءاتي، لكني مطمئن لقناعة مطلقة تفيد أن الزجل كجنس أدبي فضَّاح ليس بالسهولة التي يتوهمها جيش من فاقدي الموهبة والرؤية، وليس مطية متاحة كي يركبها من هب ودب، وبعيدا عن الخلط الساذج بين قصيدة تحترم جنون الشعر المقدس وتسند خيمتها بمعجم عامي دال وبين نصوص بسيطة جاهزة معدة للغناء ، يظل الزجل الشقي بوعيه ومرجعياته عصيا على الكثيرين والكثيرات ممن لم يجدوا أنفسهم في حلبات البوح المحروسة، وهو ما يبرر تواجد أسراب متنافرة تحتقر المنجز الزجلي النبيل وفرسانا أقل.

بالكلام المفيد ، الزجل الخَلّاق قصيدة شعر باذخة بلسان دارجي حكيم وفيٍّ لتربة وطن وأحلام عشيرة جريحة يغتالها الظلام في وضْحِ النهار.

. طبعا، الموهبة وحدها لا تكفي، بل لا بد من الدراسة المتأملة والقراءة الواعية للاطلاع على إبداعات متنوعة رائدة والانفتاح على تجارب عالمية خالدة لم تتوقف عند التقليد الممجوج والتسرع البليد بالاكتفاء بتطبيق حَرْفي لبنود وصية ميتة الأهداف صقيعية القواعد .

في عرصة الكلام، للجميع حق التجوال والتفسح في ممرات المتعة والبهاء، لكل امرئ ما نوى ، ولكل عاشق من هوى، والواجب احترام حرمة المجال، وعدم نسيان أنها عرصة مثالية تحرسها أرواح مبدعين ومبدعات أفذاذ، هي حروف أزهار ورياحين وزعتر وياسمين يهدي الوجود عطرا نفادا لا يموت، هو بالتأكيد أثر كلام لا يطاله سوى مجانين الإبداع الملتزمون بقيمة الشهادة والنزوع نحو التجاوز.

بشكل أو بآخر، للجميع إمكانية الوقوع في الحب، وللقلة فرصة إبداع شهادات مفيدة وقصص خالدة تُرْوَى بمتعة دون سأم، وجميع الحْرَايفِية قد ينجحون في تركيب أسِرَّة صالحة للنوم والحلم، ولكن قلة من الصْنَاعية من يبدعون آثارا فريدة مدهشة ساحرة .

لك الحق الكامل في التعبير كيفما تشاء، وحين تختار لكلامك جنسا أدبيا معينا فهذا يعني إبرامك لعقد مفترض بين الكاتب وقارئه، لكل كلمة حرقة، ولكل همسة عنوان، والتجنيس الفني ليس عبثا أو ترفا زائدا نضعه كيفما اتفق، بل هو تحديد مسبق لطبيعة حلبة نقرر اللعب فيها تخييلا/كتابة، واختيار جواز عبور يفرض علينا احترام هوية مكتوب والخشوع أمام روح يجسدها واقعيا منجز إبداعي رائد يتحرك بجنون فعال وتراكم تخييلي يحلم بالتجاوز والتغيير بأدوات مدرسية وتقنيات يعلمها الجميع.

الزجل ذاكرة أمة ، أرشيف شعب، شهادة إبداعية وتوثيق فني باللغة الأم لأحلام وخيبات وطموحات مشروعة تحقق للكائن المغربي إنسانيته الممكنة في مجتمع تنخره مظاهر التخلف وتداعيات الظلام، هو اعترافات همٍّ، شكاوى ظلم، فضح طغيان، قصص حب مستحيل، صرخات إدانة وعناد لا يهادن، وأي نَظْمٍ متسرع ساذج سيظل حتما سجين فراش مريض وعطش جنسي وكبت عاطفي ذاتي لا يهم المتلقي ولا يقدم المتعة الفكرية والجمالية المنشودة الغائبة لدى فاقدي الرؤية و المرجعية ضعيفي الخيال والحرقة.

ولابد من التنبيه أن العيطة والملحون والزجل أشكال تعبيرية فنية مختلفة الشكل والبناء، وهي بالنظر إلى اختلاف مرجعياتها وتقنياتها لا تمثل جنسا أدبيا واحدا رغم كونها فروعا إبداعية ضمن شجرة الدارجة المغربية.

وحتى نعطي لقيصر ما لقيصر ولا نسقط في التجاهل الأرعن، هناك مبدعون ناضلوا وكافحوا من أجل قصيدة زجل مغربية تضاهي أمهات قصائد الشعر الفصيح بل وقد تتجاوزها في الكثير من الأحيان، والرغبة في التميز لا تعني الاختباء وراء شللية مقيتة وداخل عشيرة متعصبة للخواء تنكر مجهودات الرواد التي لا ينكرها إلا جاحد.. لا أحد ينكر إنجازات رضوان أفندي وأحمد لمسيح والعربي باطما ومحمد باطما وعزيز بنسعد ومحمد موتنا ومراد القادري وغيرهم من مبدعي الزجل الراقي الممتع المشدود لتربة وطني الحبيب.. نهر الزجل المغربي هادر وسخي وكريم وهو يعرف كل يوم مساهمات تفرح القلب والخاطر.

<< العودة إلى الصفحة السابقة

شارك الصفحة على :

تعاليق

اترك تعليقا




إنسخ رمز التحقق

qJ0gx1

© جسور - 2025 - جميع الحقوق محفوظة.