الكاتبة: حياة عاشر
خبر مفاجئ
جلس السيد حسن عند رأس ابنه المريض، وقد تجاوز عقرب الساعة منتصف الليل، استدعى بكلمات متقطعة صديقا له يشتغل كطبيب بمستشفى المدينة، وغادر الغرفة إلى ردهة البيت بعد وصوله، جلس على كرسيه الهزاز ريثما ينتهي الطبيب من فحص ابنه، ولاح له طيف مدينة كان تعرفه جيدا.
تذكر صباح ذلك اليوم، حين قامت الإذاعات التلفزيونية والمجلات الورقية والإلكترونية منها بإعلان خبر انتشار وباء خطير باسم "كورونا" في أرجاء المدينة قبل أن يتداوله سكان الأحياء والعابرون في الشوارع وأطفال المدارس، فيحكي الناس عن الوباء بما اكتسبوه من معلومات ولم تلبث المدينة أن أصبحت خاوية شبه مهجورة لا يسمع فيها غير صوت الرياح وهو يقلب أوراق الأشجار المتساقطة، أغلقت أبواب ونوافذ المنازل، وخلت الأحياء من صراخ الأطفال وجلبتهم وأغلقت أبواب المساجد واستفحل الرعب في الأرجاء وغدت البنايات تحوم في قوقعة من الصمت، بيد أن المستشفيات عجت بالمرضى منهم من أصابه الوباء ومنهم من أفزعه فصارت حالته أسوأ ممن أصابه، صارت الأم تخاف الاقتراب من أبنائها وتحولت براءة الوجوه إلى توجس واستبدلت الابتسامات العذبة بالعبرات الساخنة.
دمعة أب على ابنته المغتربة، ودمعة طبيبة وهي ترسل القبلات ودفء حضنها لأسرتها مع النسيم مخافة أن تعانقها فتنقل إليها العدوى، حزن جندي وهو يطبع قبلة على جبين زوجته على أمل لقاء آخر، آهات عجوز آلمها فراق الأحبة فموعد القطار قد حان ركوبه...طبع الموت في صور المجلات وفي شاشات الهواتف، وحين ملأت رائحته المكان تجرع الناس مرارته، فهم لم يفقهوا يوما معنى الصحة والسعادة ،فقدوا لذة دفء البيت وغدوا يسترجعون الأيام الماضية فقد آل بهم الحال كالعصافير في الأقفاص، كان الوباء كالشمس والموت لا ينظر إليهما الإنسان إلا والدموع تنهمر من عينيه.
الآهات، آه الآهات، كانت تسمع من نوافذ المستشفيات، ألم المصابين وصراخهم تتأرجح له الجدران، وباء مزج الخوف والألم والفراق ليتجرعهم العالم، وباء جمع بين الغني والفقير في مكان واحد، وباء ذكر الناس بماهيتهم ليعتكف المصلون في بيوتهم مبتهلين خاشعين، وباء ذكر الأم بقيمة أبنائها وذكر الأبناء بقيمة الأم، حن التلميذ إلى مقعده، وافتقر الصديق لصديقه ونفض الغبار عن الكتب...وصفع العالم ليستيقظ من لامبالاته.
حياة عاشر (أيت اورير، مراكش. ثانوية أبطيح التأهيلية)