الكاتب: عماد العدراوي
ال(ما) وال(من)
أو
Le Quoi et le Qui
• بداية ال(ما)
أنا لست كائنا ذكيا، معرفتي بالأشياء بسيطة جدا، وأغلبها لا أجيدها، أو لست متمكنا منها إلى أقرب حد. ثقيل التفكير وكثير النسيان، حيث أنسى أحيانا (ما) أنا؟، لا أفرق بين الأمر ونقيضه، أو ببساطة جدا لا أفرق بين الألف والعصا. لا أملك قدرا من الحكمة. ألِفتُ كثيراً من الغمز، لكن لا أدري … أنا كائن هادئ يميل كثيراً إلى الحلزون، متقوقع ويصوم لمدة ثلاثة فصول. أجيد بعض الأبجديات التي جمعتها في يوم عاصف جدا. أذكر أن عيني كانت دامعة من شدة العجاج. أنا متصالح مع أنا. أعرف أن الأبجديات التي كتبتها في كراستي كانت مشوهة، ربما تكون النقط، أو الحركات، أو السكنات في غير محلها.
• طرد النكرة
لا تصححوا لي ما كتبته بقلم أحمر، يحمل شتى رموز العنف. أنا مازلت طفلا صغيرا تخطفه الطير من مكان سحيق، وحذائي أضعته في الطريق بينما أنا قادم إلى حجرة الدرس. والآن، قدمي متورمة من شوك الصبار. أنا أعرف أين يكمن الخطأ. من عادتي دوما أنني أحتفظ بالأرشيف، فقط لأعيد قراءتي بعيدا عن قراءة النكرة.
• مرض ال(ما)
أنا كائن منشغل في التفكير دوما حد الارهاق. لا أعرف أي مرض هذا ؟. كل العقاقير التي تقود إلى توقيف هذه الجريمة التي أقترفها في "أنا" لم تجدِ شيئا. قال لي الطبيب يوما: "إنك كائن غريب..."؛ عجز بدوره عن تشخيص دائي؛ فقط أنه كتب في تقرير الفحص: "حالة مرضية عصية تدخل ضمن الأمراض الناذرة...". يومها، كان يضع على المنضدة كتابا ربما كان يحمل اسما لكاتب يشبهني (وجه الشبه في المرض، إنني لست كاتبا)، اسمه "كافكا"، وكان يضع أعلومة على صفحة أذكر أنه كتب عليها: "إذا كان هناك ما هو أشد خطورة من الإسراف في تناول المخدرات، فمن دون شك هو الإفراط في الوعي وإدراك الأشياء...".
• حقيقة ال(ما) وال(من) / Le Quoi et Le Qui
حقيقة، لأول مرة أحفظ جيدا عبارة يقولها كائن (ما-Quoi)، عفوا كائن (من-Qui)!
لا أدري السبب، لكنني عندما تفرست ملامح هذا ال(من- Le Qui )، كان يبدو قلقا ومرهقا جدا، أو مريضا إلى حد ما، ودخل العيادة متلبسا في أوراق مكتوبة بعناية وبين دفتيها غلاف أنيق. لا تلوموني، فأنا أعرف أنني كائن (ما-Quoi) غبي جداً، كما أخبرتكم...
• مبدأ التضاد
نعود إلى الأبجديات، لم ينل حظي منها كثيراً. تعلمت فقط كيف أمضي قدما في الطريق وأتحاشى الحفرة، لكن من فرط الدمع الذي كان في ذاك اليوم العاصف، ربما يكون ما دونته في كراستي معكوسا، لماذا؟. تركت الطريق وكانت الحفرة دوما من نصيبي. قال لي يوما أحدهم: "قد تناسيت أن تتعلم الإحداثيات"، من تم وأنا أنهل مما جادت به الأسفار من الجغرافيا والرياضيات والطبولوجيا. لكن، سقطت مرة أخرى في الحفرة! ومن شدة قلقي قتلت معلمي بعد أن هويت عليه بحجرة صماء، كنت أجلس عليها في مجلسه، والسبب أنه علّمني شيئاً لا يجدي بشيء.
• الطرد من الزمرة
حوكمت آنذاك بطردي من المجلس، فتهت. حينها إلتقيت (ما) آخر كان يجلس عاريا في الوادي وكان يدعي أنه منجِّما، فقال: " عليك أن تسوي تلك القمة بهذه الأرض، وأن تضع أشكالا هندسية لها رونق يليق بنا، إن الإنجاز الذي لا تعتريه إستطيقا ما ليس إنجازا، الأرجح به أن يهدم. ومن تم وأنا منهك في الجيولوجيا والقياس والتركيب والبناء. لكن، شاء أن يعاد ما سويته إلى شكله الأول. ومن فرط قلقي خنقت المنجم تحت ركبتي، لكن أذكر أنه لم يكلفني عناء كبيراً، لقد كان كهلا بين السبعين والثمانين حولا. هناك، شعرت أنني فعلا، كائن (ما) جدا. إنني لم أربط بين شتى الأبجديات رغم تشوهاتها؛ إذن (ما العمل)؟*. بعد مراجعة طويلة، تراجع معدل الغباء قليلاً. أدركت أنه ثمة علاقة بين ما علمني إياه المعلم وما قاله المنجم. هنا كان لا بد أن تأخذ بمحمل الجد [أفق (الفناء) وسبيل (العودة)].
• النهاية
حينها أُثبت لي ما صرحت به في البداية. أخذت حينها بمجامع أسفاري، جمعت كل الأبجديات بصحتها وأخطائها في حاوية، واستلقيت إلى جوار القتيلين وأضرمت فتيلا ونمنا سويا إلى في الفناء حيث لا سبيل في العودة.
.......