رواية (السالف) فنّ السخرية وإنقاذ العالم من البشاعة

الرئيسية إبداعات قراءاترواية (السالف) فنّ السخرية وإنقاذ العالم من البشاعة
الرئيسيةإبداعاتقراءاترواية (السالف) فنّ السخرية وإنقاذ العالم من البشاعة

رواية (السالف) فنّ السخرية وإنقاذ العالم من البشاعة

رواية (السالف) فنّ السخرية وإنقاذ العالم من البشاعة

الكاتب: عزالدين الماعزي

 

رواية "السالف" فنّ السخرية وإنقاذ العالم من البشاعة

 

(مقصٌ يستحمّ في ضبابٍ

سحقًا للّذي بينهما من وَقيعةٍ هي أبديةٌ بيْن المعْدِنِ والماءِ)

ديوان : دفتر مجّاط،

أبو بكر متاقي.

١

تستند الجملة الأولى/البداية، في رواية "السالف" على جثة المدعو قيد حياته(جلوق) وكيف تم تشويه نصفها السفلي؟ لماذا مات جلوق مقتفيًا أثر خيبته برأس كبير ودون ظل ؟

هي خطوة توهم القارئ أنها بداية النص لكنها نهايته. رواية "السالف" عبارة عن نسق سردي قصير أو محكيات مرقمة باسم (جلوق١) إلى (جلوق ٤٣) في ١٤٦ صفحة، للكاتب الأديب المتمرس عبد العزيز حاجوي وله أعمال أخرى تتوزع بين السرد والشعر.

أوهي بالأحرى محكيات قصيرة جدا تمتاز بكتابة سريعة مقتضبة، عارية، مشذبة، ممتلئة بعناصر الحكي من : تشويق ووصف حيّ ولغة فاتنة بسيطة وجميلة تجمع بين الفصيح والعامي وحوارات منفلتة من الواقع بقفلات مدهشة واحالات رمزية تعتمد السخرية والتهكم والنقد اللاذع...والكاتب بعينيه كاميرا للمجتمع الذي يعيش فيه. أتساءل:هل فهمُ العالم يكونُ عن طريق النصوص القصيرة أكثر من الطويلة ؟

٢

يمنح السارد أبعادا جديدة لمحكياته القصيرة تتجاوز وظائفها وتغوص في دهاليز اللغة، تفتح شهية القارئ للدلالة في عمق السخرية الإنسانية فتنفجر معاناة تتجاوز المتوقع(..تعتني بالبيت، حين قلت لها(مالك تتعذبي راسك شكون غادي يجي عندك؟) قالت لي ( جاي عندي راسي)ص١٣

(وانتي هازة معك تيو ديال دار الضو)ص١٧

يتكلم بألسنة عديدة وبتشكيل نظام لغوي خاص به (قاموس العامية) بتلك الخبرة التي اكتسبها كشاهد وراوٍ غير محايد حيث تتحرر الكلمات من طبيعتها ووظائفها ويتحول النص إلى ساحة معركة/ لعب : ( كنا أطفال الحي، ليس بيننا اختلاف أو تفاوت، لا نخجل من إصرارنا على أن لا فرق بيننا، نفعل كل شيء...كنا نقلد بعضنا البعض في أن يبول الكل واقفا، بما فيهم نحن البنات! )ص١٦

) هذ السالف هو سباب خلاك) ص١٩

)..أخرج المشط من الدولاب وأضع سالفي بين رجلي وامشط وأغني...) ص٢٤،(أطلقت سالفي أمام المرآة، وخاطبته: الدعوة فالطول !) ص٢٥

وبتشكيل هزلي يلعب فيه التهكم والسخرية مشهدا عارمًا يحمل القارئ إلى قراءة تنْفتح على أسئلة مشحونة. هي سخرية السارد من نفسه ومن الآخرين والمجتمع وهو يكابد الألم والقهر والإقصاء والتهميش عن طريق التفكه والاستهزاء بل هي الكشف عن التناقض في المجتمع ونقد العالم هو فهمه على الطريقة الصحيحة.. قال لي ولد الهجالة : (مزيان مللي ما سمعتيش أش قال مللي خرجتي من الحلقة) ص٩٥، أو في(لا زال القالب معي في ذاكرتي إلى الآن:( ملفوفًا في الأزرق، والنمر يجري فوقه، يقول لي : غادي تهز القالب من صغرك)! ص١٠٠.

( لنا أمهات لرجال عبروا أجسادهن عبورا قسريا، فكنا المنتوج المحلي الذي يحشو رأسه بالسائل اللزج الذي لم يجد من يعتني بتحريمه...ص١١٤).

(..تأمل ابنة الحارس التي كانت تصرخ(حيد الجنوي أبا). بكي الحارس. رأى شجرة الموز تتلاشى أمام ناظريه، كانت سيارة الشرطة تمر أمام عربة الفكهاني، قال الشرطي الذي يسوق السيارة : (اشحال البنان)؟ ص١٤٠

٣

نصوص الأديب عبد العزيز حاجوي تُشكل نوعا من التدفق اللغوي المنساب بسخرية عارية تجبر القارئ على التعمق والبحث عن المعنى والرمز( رمز الظل):( خرجت روحي حين التفت ورأيت وجه الظل الذي خاطبني، فتدفقت روح جفيل..) ص٢٩

)انتظرت الظل، لم يكن ظلا كان ضلالا تهت فيه!)ص٣٠

( عبد الله هو الظل الذي سحبني إلى ظل البيت..) ص٣٢

هذ الظل/ الأب الذي سيدخل السجن لأن الممرضة قالت عن ابنه وهي تغادر غرفة الولادة(راسو كي الطارو، الله يخليها سلعة!) انتفض الظل وغرز أظافره في عنق الممرضة!) ص٣٢/٣٣

تكتفي بهذا بالتهكم المرّ : ( ظلي يكتفي بالصمت إذا تكلم يقول لي : كون غير درنا الفنيد!) ص٣٧

) سميت ظلي (بوحولي)، لأنه لم يعرف أني أغرق في ألم البداية، وأنه سيكون آلة إنجاب ليس إلا!) ص٤٠

والوقوف عند كل دهشة / سخرية ليس للغرابة التي تكتنفها بل لفنيتها المقطرة التي تدفع إلى ابتسامة لامعة أو قهقهة عالية تملأ المكان أو تحبس الأنفاس، إنها ومضة ساحرة تحررنا من حيز المكان والزمان تقول الذين (يعرفون معنى هذا الظل الذي يتلاشى في الأزمات سعداتو، ما هازهاش منين ثقالت) ص٤٣

يحلق بنا المسافات محررا ما ثقل من الحدود عبر تقنية التشتيت والتجميع كأن النص لعبة شطرنج تحارب وتدافع وتقاتل. ويعرفنا على رؤية الكاتب الذي يعكس الواقع المعاش بل يفتح كوة شمس محرقة تلامس النقد اللاذع.

تمتلك الرواية ديناميكية تخيلية فائقة بنفس سحري، يعتمد الفكاهة والهزل طريقا وسبيلا للوصول توّا إلى القارئ وإمتاعه، تصبح السخرية فضحا متهكما للنموذج، يقول دولوز: هي( فنّ المفارقات) واللعب بتلوينات الألفاظ، كاشفة هشاشة الواقع...

٤

أخيرا،

إن رواية السالف مكتوبة وفق تخطيط ودراسة بأبعاد متنوعة بمثابة أقاصيص ساخرة نابضة بعصارة الحياة. الكتابة بقوة السخرية التي توصل الفكرة دون لف أو دوران بأحداث قصيرة وشخوص منفلتة من الواقع تكشف الحقيقة وتتجاوز الخلل بل " تحفز على التأمل في ما يمكن أن يكون" وهو قلق وجودي يبحث عن مصير مختلف غير مطمئن باقتناص اللحظة من المياه الراكدة. قد تكون مجرد سرد سريع أو قصير جدا لكنه يحمل دلالة مغامرة وعمق أسئلة حول الذات والآخر وتصويرا دقيقا عبر حكايا منفصلة ومتشابكة في خط سردي واحد تجعلك تمتلك تلك الابتسامة الشاسعة الطويلة التي تخرج من الداخل إلى الخارج كي تنقذَ العالم من البشاعة.

الإمساك بقبّ جلباب الحكاية ولغتها وحبكتها وتطورها السردي هي(مكائدُ القص) كما سميتها سابقا، وقدرتها على ما تحمله أو تنصبه من فخاخ وتكسير أفق ووهْم التوقع. للإشارة يمكن قراءة النص البداية هي الخاتمة، والنهاية هي البداية بشكل لولبي دائري، ما نتوقع أن يكون نهاية هو بداية وهكذا...

وهي بذلك تنضاف إلى الأدب المغربي الجديد، المكتوب بلغة القاع والهامش، المعتمد على آفاق فنّ السخرية والسخرية من كل شيء.

<< العودة إلى الصفحة السابقة

شارك الصفحة على :

تعاليق

اترك تعليقا




إنسخ رمز التحقق

lpA88W

© جسور - 2025 - جميع الحقوق محفوظة.